يستعرض الكاتب باتريك وينتور في مقاله بالجارديان التحول اللافت في الموقف الإماراتي من الصراع السوداني بعد أن تعرضت أبوظبي لانتقادات واسعة بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، التي ارتكبت مجازر مروعة في مدينة الفاشر عقب سيطرتها عليها. في مؤتمر أمني بالبحرين، اعترف أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، بأن بلاده أخطأت حين لم تفرض عقوبات على قادة الانقلاب العسكري في 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية. قال قرقاش: "أخطأنا جميعًا عندما سمحنا للجنرالين اللذين يقودان الحرب اليوم بإسقاط الحكومة المدنية. كنا يجب أن نضع حدًا لذلك بوضوح".

تُعد هذه التصريحات تراجعًا كبيرًا عن النهج الذي اتبعته الإمارات بعد سقوط عمر البشير في 2019، حين سعت مع السعودية لتقوية نفوذ المؤسسة العسكرية على حساب المدنيين، ودفعت نحو تمكين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" من إدارة الملف الاقتصادي. ضخت أبوظبي والرياض ثلاثة مليارات دولار لدعم المجلس العسكري الانتقالي، لكنهما أوقفتا التمويل لاحقًا عندما بدأت الكفة تميل للحكومة المدنية، ما أدى — بحسب محللين — إلى تقويضها وتهيئة الطريق لانقلاب 2021 ثم الحرب الأهلية في 2023.

يوضح الكاتب أن اعتراف قرقاش يمثل إشارة إلى أن الإمارات بدأت تُقر علنًا بفشل سياستها في السودان، وأنها مضطرة للنأي بنفسها عن الدعم السريع الذي رعته طويلاً. ورغم نفي أبوظبي تزويد الميليشيا بالسلاح، تؤكد تقارير أممية وإفادات صحفيين وخبراء أن الإمارات كانت الممول الرئيس لحميدتي، حتى فرضت واشنطن في يناير الماضي عقوبات عليه وعلى سبع شركات إماراتية مرتبطة به.

حذرت منظمات سودانية مدنية طوال عام ونصف من احتمال ارتكاب الدعم السريع مذابح إثنية إذا دخل الفاشر، وهو ما حدث فعلًا، ما جعل الإمارات في موضع الاتهام باعتبارها الجهة الأكثر قدرة على كبح حميدتي. ورغم أن أبوظبي دانت الجرائم، إلا أنها ألقت باللوم على الجيش السوداني لرفضه التسوية. وتصرّ على أنها تتعرض لحملات "تضليل" من الإسلاميين في الجيش ومنظمات غربية مناوئة لها، مؤكدة أنها تسعى لعودة الحكم المدني الخالي من النفوذ الإسلامي الذي سقط مع انقلاب 2021.

تنقل الجارديان عن مسؤولة الخارجية الإماراتية لانا نسيبة قولها إن بلادها ليست راعيًا للحرب بل وسيطًا يسعى لاستعادة مسار الانتقال المدني، بينما تشير منظمات حقوقية إلى أن اختبار صدقية هذه الوعود يبدأ بالتعاون الفعلي مع لجنة خبراء الأمم المتحدة المشرفة على حظر السلاح في السودان. ويرى كاميرون هادسون، المستشار السابق للمبعوثين الأميركيين إلى السودان، أن الإنكار الكامل لأي دور إماراتي يجعل من الصعب الوصول إلى تسوية عادلة.

يستعرض المقال الدوافع الاقتصادية التي تجعل الإمارات متمسكة بنفوذها في السودان رغم الكلفة السياسية. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، جذبت موارد السودان الزراعية والمعدنية استثمارات خليجية ضخمة. وبالنسبة لدول تستورد أكثر من 80% من غذائها، مثل الإمارات والسعودية، يشكّل الوصول إلى الأراضي السودانية الزراعية والذهب والثروة الحيوانية مسألة أمن غذائي واستراتيجي.

في هذا السياق، وقّعت أبوظبي في ديسمبر 2022 عقدًا بقيمة 6 مليارات دولار لبناء ميناء أبو عمامة شمال بورتسودان، لكن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ألغاه بعد اندلاع الحرب. ومع ذلك، تبقى الإمارات حريصة على إحيائه مستقبلاً. كما تمتلك مصارفها حصصًا في بنك الخرطوم، الذي يدير التحويلات المالية لملايين السودانيين النازحين. أما الذهب، الذي يمثل نحو نصف صادرات السودان، فيتدفق معظمه إلى الإمارات، سواء عبر القنوات الرسمية أو عبر التهريب الذي يُقدَّر بـ13 مليار دولار سنويًا.

يكشف تقرير حديث لمعهد تشاتهام هاوس أن القيود على تجارة الذهب القادمة من مناطق النزاع تظل ضعيفة، ما يسمح بتدفق "ذهب الحرب" إلى السوق الإماراتية. ويمتلك حميدتي، عبر شركته العائلية "الجنيد"، عددًا من مناجم دارفور التي تغذي هذا السوق. ويجمع بينه وبين أبوظبي تحالف مصالح قديم منذ إرسال قوات الدعم السريع إلى اليمن دعمًا للتحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد الحوثيين.

يرى وينتور أن الأزمة الحالية تضع الإمارات أمام اختبار أخلاقي وسياسي؛ فبعد أن أصبح دعمها لحميدتي عبئًا على سمعتها، يزداد الضغط عليها للعب دور إيجابي في وقف الحرب. تعوّل واشنطن على أن تتوصل الإمارات، ومعها مصر الداعمة للجيش، إلى تفاهم يجبر الطرفين على وقف النار.

البيان المشترك الصادر في 12 سبتمبر بين الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات — في إطار ما يُعرف بـ"الرباعية" — وضع تصورًا لوقف إنساني لثلاثة أشهر يتبعه وقف دائم لإطلاق النار، ثم تشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر. نصّ البيان على أن مستقبل السودان يقرّره شعبه عبر عملية انتقالية شاملة وشفافة لا يهيمن عليها أي طرف مسلح. لكنه أشار أيضًا إلى ضرورة منع الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، من السيطرة على المشهد، وهو ما يتقاطع مع أولويات الإمارات الأمنية.

يختم الكاتب مقاله بالقول إن الحل في السودان لن يتحقق ما لم تُقِر القوى الإقليمية، وفي مقدمتها الإمارات، بدورها الحقيقي في الصراع، وتُحوِّل نفوذها المالي والعسكري إلى ضغط جاد من أجل السلام، لا أداة لاستدامة حرب تنهك الجميع.

https://www.theguardian.com/world/2025/nov/04/sudan-rsf-militia-uae-united-arab-emirates